اختلاف الشيعة في القدر
أثبته متقدموهم، ونفاه متأخروهم وأدخلوا نفيه في (عدلهم) فأشبهوا المجوس
غالب الشيعة الأولى كانوا مثبتين للقدر؛ وإنما ظهر إنكاره في متأخريهم، وأدخلوا في (العدل) التكذيب به([1]).
فمذهب هؤلاء الإمامية وشيوخهم القدرية أنه ليس على كل شيء قدير.
ومن قولهم أيضًا: إن الله لا يقدر أن يهدي ضالاً ولا يقدر أن يضل مهتديًا، ولا يحتاج أحد من الخلق إلى أن يهديه الله، بل الله قد هداهم هدى البيان.
ومن قولهم: إن هدى الله المؤمنين والكفار سواء ليس له على المؤمنين نعمة في الدين أعظم من نعمته على الكافرين، بل قد هدى علي بن أبي طالب كما هدى أبا جهل، بمنزلة الذي يعطى أحد بنيه دراهم ويعطي الآخر مثلها لكن هذا أنفقها في طاعة الله وهذا أنفقها في معصيته؛ فليس للأب من الإنعام على هذا في دينه أكثر مما له من الإنعام على الآخر.
ومن أقوالهم: إنه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء.
ولا يقدر أن يقيم قاعدًا باختياره ولا يقعد قائمًا باختياره، ولا يجعل أحدًا مسلمًا مصليًا ولا صائمًا ولا حاجًا ولا معتمرًا، ولا يجعل الإنسان لا مؤمنًا ولا كافرًا، ولا برًا ولا فاجرًا، ولا يخلقه هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا.
ومن تمام قول الإمامية الذي وافقوا فيه المعتزلة في توحيدهم وعدلهم من متأخري الشيعة أن الله لم يخلق شيئًا من أفعال الحيوان لا الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم، بل هذه الحوادث تحدث بغير قدرته ولا خلقه.
فهؤلاء يشبهون المجوس في كونهم أثبتوا غير الله يحدث أشياء من الشر بغير مشيئته وقدرته وخلقه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن وحد الله وآمن بالقدر تم توحيده ومن وحد الله وكذب بالقدر نقض توحيده تكذيبه.
فقول القدرية يتضمن الإشراك والتعطيل؛ فإنه يتضمن إخراج بعض الحوادث عن أن يكون لها فاعل، ويتضمن إثبات فاعل مستقل غير الله. وهاتان شعبتان من شعب الكفر.
وبيان ذلك أنهم يقولون: إن الإنسان صار مريدًا فاعلًا بإرادته بعد أن لم يكن كذلك بدون محدث أحدث ذلك، وهذا أصل التعطيل.
وأما الشرك فلأنهم يقولون: إن العبد مستقل بإحداث هذا الفعل من غير أن يكون الله جعله محدثًا له.
وهذان «التعطيل، والإشراك في الربوبية» لازم لكل من أثبت فاعلاً مستقلاً غير الله.
وقد دلت الدلائل اليقينية على أن كل حادث فالله خالقه، وفعل العبد من جملة الحوادث. وكل ممكن يقبل الوجود والعدم فإن شاء الله كان وإن لم يشأ لم يكن، وفعل العبد من جملة الممكنات، وذلك أن العبد إذا فعل الفعل فنفس الفعل حادث بعد أن لم يكن فلا بد من سبب. وإذا قيل: حدث بالإرادة فالإرادة أيضًا حادثة فلا بد لها من سبب.
فمن قال: إن شيئًا من الحوادث أفعال الملائكة والجن والإنس لم يخلقها الله تعالى فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع السلف والأدلة العقلية.
ولهذا قال بعض السلف: من قال إن كلام الآدميين أو أفعال العباد غير مخلوقة فهو بمنزلة من قال: إن سماء الله وأرضه غير مخلوقة.
وفي الجملة القوم لا يثبتون لله مشيئة عامة، ولا خلقًا متناولاً لكل حادث. وهذا القول أخذوه عن المعتزلة وهم أئمتهم فيه.
ولهذا كانت الشيعة في هذا على قولين: منهم من يقول ذلك، ومنهم من يقول: إنه يخص بعضهم([2]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) كما تقدم في أصولهم الأربعة، وكذلك المعتزلة أصولهم الخمسة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه تتعلق مسائل الإمامة.
([2]) ج (1) ص (357، 284، 258، 29) وانظر الفتاوى ج (
ص (452) ج (1) ص (39، 40) ج (2) ص (73، 38) ج (1) ص (364، 366).