هل تعرف نبيك صلى الله عليه وسلم:
ومن الوسائل المهمة التي يملكها كل مسلم ولا عذر له إن عجز عنها، هو معرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله العطرة وفضائله الكريمة، إن في قلب كل مسلم حب فطري لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إن هذا الحب يترسخ وينمو إذا ما قرأ المسلم في سيرة نبيه وعلم كيف ضحى وبذل من أجل أن يصل إليه هذا الدين.
ينمو هذا الحب إذا ما علم المسلم كيف أن نبيه صلى الله عليه وسلم يشتاق إليه ويحبه، وهو صلى الله عليه وسلم أرحم به من أمه التي ولدته، فيجب على كل مسلم أن يخصص من وقته ساعة أو أكثر كل يوم يقرأ فيه في سيرة الحبيب ويتعرف على شمائله وفضائله صلى الله عليه وسلم.
الله الله في أولادك:
إن كثيرًا من أبناء المسلمين اليوم يجهلون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم لا يعرف عن نبيه وشفيعه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم سوى اسمه وبعض الوقائع المتفرقة من سيرته قد يكون درسها في دراستها، فعلي المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم أولاده وأهل بيته سيرة سيد البشر وخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا من أكبر وسائل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا نرد باطل بباطل:
ومن النقاط الهامة التي يجب التنبيه عليها، هو الحذر من رد باطلهم بباطل مثله، فقد يقع بعض الغيورين من المسلمين الذين يفتقرون إلى العلم الصحيح في الإساءة لأنبياء الله عزوجل أو التعرض لرسول الله عيسي عليه السلام، وهذا جرم عظيم قد يفعله بعض من لا خلاق له، وقد تصدر بعض هذه الحماقات من جهلة لا يراقبون الله في أقوالهم وأفعالهم كما ذكر شيخ الإسلام (الفتاوى 6/25-26) عن بعضهم أنه ربما أعرض عن فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت لما رأى غلو الرافضة فيهم وتنقصهم للشيخين ـ رضي الله عن الجميع ـ ونقل عن بعض الجهلة أنه قال :
سُبَّوا عليا كما سبُّوا عتيقكم * * * كفر بكفر ، وإيمان بإيمان
كما ذكر أن بعض المسلمين يعرض عن فضائل موسى وعيسى عليهما السلام بسبب اليهود والنصارى حتى حُكي عن بعض الجهال أنهم ربما شتموا المسيح عليه السلام حين سمعوا النصارى يشتمون نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم في الحرب.
6- المقاطعة الاقتصادية:
ومن أهم وسائل نصرة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم والتي تظهر أهميتها في هذا العصر "المقاطعة الاقتصادية" لأعداء الله وللمتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الوسيلة لها شأن ومكان في هذا العصر، فإن كان المسلمون اليوم يعجزون عن إعلان الجهاد على من طعن في الدين فلن يعجزوا أن يجاهدوا هؤلاء بالمقاطعة الاقتصادية.
ونتعرض في الصفحات القادمة لموضوع المقاطعة بشيء من التفصيل، وذلك لوجود من يشكك في شرعيتها وآخرين يشككون في جدواها.
المقاطعة الاقتصادية وأهميتها:
تعني المقاطعة الاقتصادية الامتناع عن دعم اقتصاد الأعداء، سواء أكان ذلك بيعًا أو شراء، فمن صور البيع الامتناع عن إمداد الأعداء بما يحتاجونه من سلع ضرورية مثل القمح في قصة ثمامة بن أثال، والتي سنوردها بعد قليل، أو مثل النفط مثلما حدث في حرب 1973 عندما امتنعت الدول العربية عن تصدير النفط للدول المشاركة في العدوان.
ومن صور الشراء، الامتناع عن شراء منتجات الأعداء بما يلحق أضرارًا باقتصادهم ويضعفه ويدفع المسلمين إلى إنتاج سلع بديلة تكون دافعًا لتقوية الاقتصاد المسلم.
والمقاطعة الاقتصادية بهذا الشكل وسيلة من وسائل الجهاد تتمحور بشكل أساسي حول مبدأ تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وهي بذلك ليست غاية في حد ذاتها فتصبح تحريمًا لما أحله الله من التعامل الاقتصادي مع أهل الكتاب والكفار والمشركين.
وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج المقاطعة عندما أرسل عليًا إلى أبي بكر الصديق ليخبره بأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأن المشركين نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا، وقد حزن تجار المسلمين من هذا الأمر الإلهي خشية الفقر والعوز والخسارة، فرد الله عليهم بقوله: "وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله"، وكان هذا نموذجا قرآنيا لوجوب مقاطعة المشركين والكافرين والمعتدين والظالمين[1].
أما أهمية المقاطعة الاقتصادية وخطورتها، فهذا ما لا يشكك فيه إلا مجادل أو معاند للحق، فقد استبان لكل ذي عينين أن الاقتصاد في العصور المتأخرة صار عاملاً من العوامل القوية لقيام المجتمعات وانهيارها، وإذا كان المسلمون يعجزون عن رفع راية الجهاد، فإن في هذه المقاطعة الاقتصادية غنية عن ذلك حتى يأذن الله بأمر كان مفعولاً.
وتتضح أهمية المقاطعة الاقتصادية هذه الأيام، حيث تتشابك المصالح وتتعقد في عالم الاقتصاديات الضخمة, وتتعقد الروابط بين أصحاب رؤوس الأموال, وأرباب الشركات بحيث أنّ اهتزاز شركة ما أو إفلاسها سيؤدي إلى آثار سلبية أكيدة على الشركات الأخرى ، وبعض تلك الآثار آني الحدوث, وبعضها متوسط, وبعضها متأخر لكنه حتمي الوجود.
فعلى سبيل المثال؛ أعلنت شركة "آرلا فودز" الدانماركية عن عزمها تسريح 125 من موظفيها بعد المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدانمارك، وعند النظر المتعمق لهذا الخبر سوف نجد أن الأمر سيؤثر على افتصاد دولة بأكملها، فهؤلاء الموظفون المسرحون كانت تقوم الشركة بموجب القانون بضمان التأمين الصحي لهم عبر شركة أخرى وهي كذلك محتاجة لشراء ملابس لعمالها من شركة ثانية, ولا بد أن تطلب من شركة ثالثة أن توفر لها حافلات لنقل عمالها من وإلى مقر العمل, وهي كذلك مجبرة على تأمين سكن ملائم لهم, لذا كان لا بد من إبرام عقد استئجار مبني أو شراءه، كما هي مجبرة على توفير وجبات الغذاء لهم من شركة خامسة أو سادسة.
فهذه ست أو سبع شركات لها مصالحها وعقودها مع شركة واحدة، وبالتالي فإن انخفاض مبيعات تلك الشركة من شأنه أن يؤثر على الحالة الاقتصادية لبقية الشركات، وكل شركة ستقوم بالإجراء ذاته مع الشركات التي تتعامل معها في تسلسل عجيب.
ولا ينتهي تأثير انخفاض مبيعات شركة واحدة عند هذا الحد، بل إن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبًا على حجم الضرائب المدفوعة قصراً لحكومة الدولة، فضلاً عن أن عشرات الألوف من الموظفين والعمالة المسرحين في الشوارع سيشكلون عبئاً ثقيلاً على الحكومة.
وهكذا يكون للمقاطعة الاقتصادية الناجحة نتائجها القوية الباهرة, والتي قد تحتاج لسنوات حتى تظهر، إلا إنه لا يستطيع أحد أن يتجاهلها، خاصة وأننا نرى أن "الولايات المتحدة" كبرى دول العالم باتت تمارس هذا الأسلوب مع أعدائها ومخالفيها، وحلفائها إن لزم الأمر.
أدلة شرعية المقاطعة الاقتصادية:
فيما يلي بعضًا من أدلة شرعية وجواز المقاطعة الاقتصادية:
يقول تعالى في مجاهدة الكفار: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة 5].
يقول الحافظ ابن كثير: " .. أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام"[2].
ويقول الشيخ السعدي في تفسيره: "{ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } أي: كل ثنية وموضع يمرون عليه، ورابطوا في جهادهم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، ولا تزالوا على هذا الأمر حتى يتوبوا من شركهم"[3].
لقد أمرنا الله بالقعود بكل طرق المشركين في جهاد الطلب وبذل غاية الجهد في ذلك، فما الظن بجهاد الدفع عندما يعجز المسلمون عن جهاد السيف والسنان، ولا يكن في مجهود المسلمين غير سلاح الاقتصاد.
يقول تعالي: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة 41].
يقول الشيخ السعدي: "{ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي: ابذلوا جهدكم في ذلك، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس، وفي هذا دليل على أنه -كما يجب الجهاد في النفس- يجب الجهاد في المال، حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك"[4].
وإذا كان المقصود من الآية أن المؤمنين يجاهدون بأموالهم بشراء السلاح ودعم المجاهدين، فلعل من أوجب صور هذا الأمر هو عدم دعم اقتصاد الأعداء، خاصة وأن هذا قد يندرج تحت باب الولاء والبراء ومعاونة الأعداء عبر دعم اقتصادهم، لذلك فإن امتناع المسلمين عن شراء منتجات الأعداء قد يكون من أوجب صور الجهاد بالأموال هذه الأيام.
يقول تعالي: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن 16].
يقول الشيخ السعدي: "فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"[5]، ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر"[6].
ويقول النووي في شرح صحيح مسلم: "قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) هذا من قواعد الإسلام المهمة ، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم ، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها ، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن ، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن ، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة ممن تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك ، وأمكنه البعض فعل الممكن ، وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن ؛ وأشباه هذا غير منحصرة ، وهي مشهورة في كتب الفقه ، والمقصود التنبيه على أصل ذلك ، وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }".
وكما أوضحنا في فصل "حكم الساب المتطاول" فإن حد المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القتل فإن عجز المسلمون على ذلك، فعليهم أن يأتوا بكل سبيل وطريق يوصل إلى هذا المطلوب، حتى يكونوا قد قاموا بما استطاعوه من عمل وجهد كما طالب الله عزوجل منهم.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد المالي، روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ[7].
تنوع أساليب الجهاد والقتال، إن كل عصر وزمان له أسلحته الجهادية والحربية المستخدمة ضد الأعداء، وقد استخدم المسلمون أسلحة جهادية متنوعة في ذلك ضد أعدائهم بقصد هزيمتهم وإضعافهم،قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار : "وقد أمر الله بقتل المشركين ولم يعيّن لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا ألا نفعل إلا كذا دون كذا"[8].
هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن الأدلة كذلك على جواز وشرعية المقاطعة الاقتصادية، هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السبيل بعد هجرته إلى المدينة النبوية، حيث شن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من السرايا والغزوات التي تهدف إلى إضعاف الأعداء اقتصاديًا، ومن ذلك قصة غزوة بدر عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه يترصدون عير قريش.
ومن الأمثلة على أسلوب حصار النبي عليه الصلاة والسلام الاقتصادي مايلي:
أ- طلائع حركة الجهاد الأولى وذلك أن أوائل السرايا التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم والغزوات الأولى التي قادها صلى الله عليه وسلم كانت تستهدف تهديد طريق تجارة قريش إلى الشام شمالا و إلى اليمن جنوبا ، وهي ضربة خطيرة لاقتصاد مكة التجاري قُصد منه إضعافها اقتصاديا.
ب- حصار يهود بني النضير وهي مذكورة في صحيحي البخاري ومسلم[9]؛ أنهم لما نقضوا العهد حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقطع نخيلهم وحرقه فأرسلوا إليه أنهم سوف يخرجون فهزمهم بالحرب الاقتصادية وفيها نزل قوله تعالى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) [الحشر 5]، فكانت المحاصرة وإتلاف مزارعهم ونخيلهم التي هي عصب قوة اقتصادهم من أعظم وسائل الضغط عليهم وهزيمتهم وإجلائهم من المدينة.
ج- قصة حصار الطائف بعد فتح مكة وأصل قصتهم ذكرها البخاري في المغازي ومسلم في الجهاد وفصّل قصتهم ابن القيم في زاد المعاد، وقال رحمه الله: "وفيه جواز قطع شجر الكفار إذا كان ذلك يضعفهم ويغيضهم وهو أنكى فيهم"[10].
7- قصة ثمامة بن أثال رضى الله عنه:
ومن الدلائل الواضحة على جواز المقاطعة الاقتصادية وشرعيتها قصة الصحابي الجليل "ثمامة بن أثال" رضى الله عنه، وقد روى قصة مقاطعته لقريش ومنعه بيع الحنطة لهم البخاري ومسلم في صحيحهما[11]، روى البخاري في صحيحه عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأورد قصة منع الحنطة عن قريش مبسوطة البيهقي في دلائل النبوة؛ قال البيهقي ".. فلما قدم (ثمامة) مكة وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد من الإسلام قالوا : صبأ ثمامة، فأغضبوه فقال : إني والله ما صبوت ولكني أسلمت، وصدقت محمدا ، وآمنت به ، وأيم الذي نفس ثمامة بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة - وكانت ريف[12] مكة - ما بقيت حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم.
وانصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت[13] قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي[14] حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم"[15].
وفي قصة ثمامة بن أثال رضى الله عنه من الفوائد الشيء الكثير، ففيها جواز المقاطعة الاقتصادية وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعل ثمامة حيث لم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على ثمامة فعله ذلك وكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة برفع المقاطعة فذلك شيء آخر، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم بأمر مخالف لشرع الله عزوجل ولا ينكره.
وفي هذه القصة كذلك إشارة إلى أن المقاطعة الاقتصادية وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، فهي وسيلة من أجل تحقيق هدف ما، وكان الهدف في قصة ثمامة بن أثال هو إعلام قريش بأن ثمامة واليمامة صارت تابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك لما جهدت قريش أي بلغت بها المشقة مبلغها لجأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في ذلك اعتراف من قريش بعلو كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيطرته على الجزيرة العربية، وبهذا يتحقق هدف ثمامة بن أثال رضى الله عنه من المقاطعة، فيكون الأمر برفعها.
ومن فوائد القصة كذلك جواز قيام الأفراد بالمقاطعة الاقتصادية بدون إذن "ولي الأمر" حيث قام ثمامة بن أثال بهذه المبادرة الفردية دون الرجوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برفعها إلا بعد أن اشتكت له قريش وناشدت الرحم، ولم يكن ثمامة بن أثال بأمير اليمامة كما قد يظن البعض، فقد أشار البيهقي في "دلائل النبوة" إلى أن ثمامة بن أثال رضى الله عنه كان رسول "مسيلمة الكذاب" أمير اليمامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يسلم ثمامة بن أثالأ، لذلك فإن من يعلقون أمر المقاطعة بإذن ولي الأمر لا دليل لهم في هذا الشأن، وإذا ثبت جواز المقاطعة من أكثر من وجه فإن القول باستناد هذا الجواز على موقف ولي الأمر يحتاج في حقيقة الأمر إلى دليل يثبته بدلا من إلقاء الكلام على عواهنه.
--------------------------------------------------------------------------------
1- راجع في هذه القصة تفسير ابن كثير 4/130.
1- تفسير ابن كثير 4/111.
2 - تفسير السعدي 1/329.
1- تفسير السعدي 1/338.
2- رواه مسلم في صحيحه رقم 2380.
3- تفسير السعدي 1/868.
4- سنن أبي داود رقم 2504 ، وسنن النسائي رقم 3096، ومسند الإمام أحمد، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود وصحيح النسائي، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على مسند الإمام أحمد "صحيح على شرط مسلم".
5- ( السيل الجرار 4/534، طبعة دار الكتب العلمية.
1- روى قصة حصار بني النضير البخاري في كتاب المغازي باب حديث بني النضير عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}، ورواه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها.
2- زاد المعاد 3/503 طبعة الرسالة.
3- رواه البخاري في كتاب المغازي باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه.
1- الريف : كل أرض فيها زرع ونخلٌ والجمع أرياف
2- الجُهْد والجَهْد : بالضم هو الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح : المَشَقَّة. وقيل المُبَالَغة والْغَايَة. وقيل هُمَا لُغتَان في الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا في المشَقَّة والْغَاية فالفتح لا غير.
3- خلى : ترك.
4- دلائل النبوة للبيهقي.